خيط
ظهرت من العدم.. جاءت من بعيد.. تكلم الجميع عنها ولكن لم
يعرف أحد أصلها.. كل ما عرفوه
أنها طبيبة وأنها أينما حلت نبت الورد وتضرج المكان بروائح الزعفران والمطر.
عندما رآها كان هو العازب الأشهر والأكثر وسامة وسحرًا..
تكلم معها لكنها أشاحت..
استمالها فتمنعت.. سأل النساء فأخبروه أنهم يقولون إنها من قرية هي بها المرأة الوحيدة،
وإن قلبها قد قُد من صخر. لمح الغيرة في عيونهن وهن ينعتنها بالمشعوذة، لم يهتم بكلامهن، كل ما
يعرفه هو قطرات العرق الثلجية التي تتجمع أسفل عنقه والنغز الذي يشعر به في صدره وبقية
جسده عندما يراها.
لم يحب يومًا رغم أنه قد مرعلي ألف ألف فتاة.. هي وحدها من
امتلكت القدرة على تفكيكه ثم
إعادته، هي وحدها من ستجعل ريقه بطعم العسل.
تمارض.. ذهب لها رفضت أن تضع يدها عليه.. بنظره واحدة أدركت
أنه يكذب.. أفرط في الطعام..
شرب ماءً متعكرًا.. جرح ساقه.. كل مرة كانت ترده بحسم.
كاد يموت وهو ينظر لأصابعها ويتخيلها على جسده.. لا بد أن
تلمسه. أصبحت هاجسه ورغبته
وهوسه.. سكنت رأسه وذابت في عروقه حتى جاء اليوم الذي أمسك فيه بنصل حاد وأحدث شقًا
طوليًا به ليخرجها منه بالقوة.. نقلوه لها يومها. خاطت جرحه وقبل أن تنتهي غمست
إصبعها في دمه وتذوقته ثم قالت: دمك يحمل طعم العشق.. لا تعشق .
ليتها نصحته من قبل.. قبل أن تملأ رئتيه برائحة الفل والورد
الندي.. والآن.. قطرة منها
أصبحت داخله وجسده قد ذاق ملمسها ولن يبرأ أبدًا.
توسل.. تضرع.. لثم قدميها.. صنع المزيد من الخطوط الطولية..
كل ما ناله هو المزيد من
الخيوط برأسه وشفقة عليه من دون وعد ومن دون كلمة ومن دون أمل.
في اليوم التالي ذهب لها فلم يجدها، سأل كل مار، بحث في كل
ركن، وراء كل جدار، وخلف كل
بيت وفوق كل شجرة، لكن مثلما جاءت اختفت. الألم امتصه.. توقف عن الحياة حتى قرر في يوم مقمر
أن يغادر هو أيضًا للبحث عنها.. قابلها في طريقه؛ فلم تسعه الفرحة، ركع أمامها
طالبًا الرفقة؛ فأخبرته بأنها من الممكن أن تصحبه ولكن بشرط واحد.. أن يضع شريطا من
لحاء الشجر في رقبته حتى تأمنه.. وافق.. وضعته وأحكمته وتبعها غير مصدق أنه أخيرًا
سيصبح معها.. سارا أيامًا حتى بلغا قريتها.. سيعيشان معًا.. لا يهم أن الشريط يدمي
عنقه من آن لآخر، ولا يهم أنها بخيلة في البسمات.. ولكنها تربت على رأسه أحيانًا
وقريبًا ستفعل ما هو أكثر.. يكفيه الغوص في عينيها اللوزتين.. يكفيه أنها اختارته لها..
هو وحده.
وصلا قريتها وطلب منها أن تحرر يديه ؛ وعدته أنها ستفعل
يومًا.. نظر حوله.. لا يوجد ظل امرأة،
كل ما وجده المزيد من الرجال والأشرطة والرؤوس التي تحمل آثار خيطها.
هبة بسيوني